n
n
الواقع التّاريخي والدّيماغوجيا السّياسويّة: الأوبئة الكونيّة نموذَجًا
n n
قطْعًا مع ما يروّج له السّاسة والقائمون على دولنا من تهوين للتّبعات الحقيقيّة للوباء الرّهين، تحت ذريعَة عَدم التّهْويل وتجنّب إشاعة الفوْضى بين عامّة النّاس، تأمّلوا ما انتهى إليه العلاّمة عبد الرّحمان في مقدّمة كتاب العبر (ج1/ص50-ص51) من اسْتتْباعات كونيّة لطاعون سنة 1348 الذي لم يغيّر الواقع الاجتماعي فحسب، بل أثّر على طبيعة الوجود الإنساني أصلاً، فأحدث ارتدَادً حضاريّا على الإنسانيّة بكلّيتها:
n
“هذا إلى ما نزل بالعمران شرقًا وغربًا في منتصف هذه المائة الثّامنة من الطّاعون الجارف الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيرًا من محاسن العمران ومحاها وجاء للدّول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها، فقلّص من ظلالها وفل من حدّها وأوهن من سلطانها، وتداعت إلى التّلاشي والاضمحلال أموالها، وانتقض عمران الأرض بانتقاض البشر؛ فخربت الأمصار والمصانع، ودرست السّبل والمعالم، وخلت الدّيار والمنازل، وضعفت الدّول والقبائل، وتبدّل السّاكن؛ وكأنّي بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب، لكن على نسبته ومقدار عمرانه، وكأنّما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض، فبادر بالإجابة؛ والله وارث الأرض ومَن عليها وإذا تبدّلت الأحوال جملة، فكأنّما تبدّل الخلق من أصله وتحوّل العالم بأسره، وكأنّه خلْق جديد ونشْأة مستأنَفة”.
n
هذا ما انتهى إليه مَن هو خبير بتجارب الأمم، وهو لأمر عظيم؛ فليكفّ هوّاة السّياسة عن توظيف هذا البلاء الدّاهم على الإنسانيّة قاطبة خدمة لتأبيد كراسي حكمهم الزّائل، ولله وَحْده خواتم الأمر.
nn